
في مساء يوم الأربعاء 14 مايو 2025، أسدل الستار على أحد أبرز نجوم الفن السوري، الفنان أديب قدورة، بعد معاناة طويلة مع المرض. غيّبه الموت عن عمر ناهز 76 عامًا، لكن بقيت بصماته محفورة في ذاكرة الفن السابع، وعلى وجدان أجيال عاصرت مسيرته الممتدة لأكثر من خمسين عامًا.
من هو أديب قدورة؟
وُلد أديب قدّورة عام 1948 في بلدة ترشيحا بفلسطين، وانتقل مع عائلته لاحقًا إلى مدينة حلب السورية. عاش حياة متواضعة، لكنه كان يملك طموحًا جامحًا وفنًا متأصلًا جعله من أوائل الذين خطّوا لأنفسهم طريقًا فنيًا متفردًا في سوريا والعالم العربي.
قبل دخوله عالم التمثيل، درس الفنون التشكيلية وهندسة الديكور المسرحي، وعمل مدرسًا للفن، إلى أن اكتشفه المخرج السوري نبيل المالح وأشركه في بطولة فيلم “الفهد” عام 1972، وهو العمل الذي كان نقطة التحول الكبرى في مسيرته الفنية، حيث أدى فيه شخصية “أبو علي شاهين”.
“الفهد”: بداية التألق واللقب الذي لازمه
في فيلم “الفهد”، لم يكن أديب قدورة مجرد ممثل صاعد، بل كان أيقونة فنية تشعّ بالاحترافية والانغماس في الدور. الفيلم، المأخوذ عن رواية الأديب حيدر حيدر، قدّمه للجمهور كممثل قادر على تجسيد البطولة المركبة، ومن هنا انطلقت شهرته بلقب “فهد السينما السورية”، وهو لقب لم ينازعه عليه أحد.
مسيرة حافلة في السينما والمسرح والتلفزيون
امتدت مسيرة أديب قدورة لأكثر من خمسة عقود، شارك خلالها في أكثر من 37 فيلمًا سينمائيًا، و60 مسلسلًا تلفزيونيًا، وعدد كبير من الأعمال المسرحية.
أبرز أعمال أديب قدورة في السينما:
- بقايا صور
- العالم سنة 2000
- رحلة عذاب
- عشاق على الطريق
- امرأة من نار
- وجه آخر للحب
- غوار جيمس بوند
- الطاحونة
- ليل الرجال
- بنات للحب
- الفيلم الإيطالي “الطريق إلى دمشق”
أعماله التلفزيونية:
- عز الدين القسام
- الحب والشتاء
- سفر
- امرأة لا تعرف اليأس
- حصاد السنين
- نزار قباني
- حكايا المرايا
أعماله المسرحية:
- الأيام التي ننساها
- مأساة جيفارا
- السيد بونتيلا وتابعه ماتي
- هبط الملاك في بابل
- سمك عسير الهضم
- مسرحيات مقتبسة عن أعمال أنطون تشيخوف
لقد أجاد أديب قدورة التنقل بين الشخصيات، من البطل الثائر، إلى العاشق، إلى الفقير المهمّش، مجسدًا بذلك نبض المجتمع وهمومه بواقعية آسرة.
وفاة أديب قدورة… خسارة لا تعوّض
أعلنت مصادر مقربة من عائلته خبر وفاة أديب قدورة مساء الأربعاء في دمشق، بعد أن أنهكه المرض في سنواته الأخيرة. كان يتلقى العلاج في منزله، محاطًا بأسرته وأحبائه. وقد نُقل جثمانه من مستشفى “يافا” بحي المزة، ليُصلى عليه في جامع الأكرم عقب صلاة العصر، ودفن في مقبرة الشيخ خالد بركن الدين.
ردود الفعل: الفنانون ينعون رفيق دربهم
فور إعلان خبر الوفاة، انهالت رسائل التعزية من محبي الفنان الراحل وزملائه من الوسط الفني. كتب الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي عن شخصية أديب قدورة، ليس فقط كممثل موهوب، بل كإنسان متواضع، مثقف، ومخلص لفنه.
قال أحد المخرجين الذين عملوا معه:
“خسارتنا بأديب ليست فقط خسارة لفنان، بل خسارة لمدرسة تمثيل متكاملة… كان معجونًا بالحب، بالكفاح، وبالفن النظيف.”
الإرث الفني لأديب قدورة: ماذا يترك خلفه؟
مع وفاة أديب قدورة، تخسر السينما السورية والعربية نجمًا فريدًا من نوعه. لكن إرثه سيبقى منارة للممثلين الشبان، وللأكاديميين، ولعشاق الفن الأصيل. دروسه في التمثيل لا تُنسى، وطريقته في عيش كل دور بصدق تُدرّس في المعاهد الفنية.
وربما الأهم من كل ذلك، أن أديب قدورة لم يسعَ إلى النجومية بمعناها التجاري، بل كرّس حياته للفن كرسالة، كأداة للتعبير عن الهم الإنساني والاجتماعي.
لماذا سيبقى أديب قدورة حاضرًا في الذاكرة؟
- لأنه ساهم في تأسيس هوية السينما السورية.
- لأنه نقل القضايا العربية والإنسانية إلى الشاشة.
- لأنه لم يغيّر جلده بحثًا عن الشهرة، بل بقي وفيًا لمبادئه.
- ولأن كل من شاهد “الفهد”، لن ينسى نظرات أبو علي شاهين الحادة والصادقة.
الختام: وداعًا أديب قدورة… الرجل الذي عاش للفن ومات واقفًا
لن يكون سهلًا ملء الفراغ الذي تركه أديب قدورة. فقلة هم من يجمعون بين الموهبة الفذة، والالتزام، والانتماء للفن كقضية. رحل الجسد، لكن ستبقى أعماله تروي للأجيال قصة فنانٍ أحب وطنه، وجسّد آمال شعبه، وكان صوت المهمشين في كل دور أدّاه.