
في تصريح ناري يعكس تصاعد التوتر داخل الساحة الفلسطينية، دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس حركة حماس إلى تسليم الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم والتخلي الكامل عن حكم قطاع غزة، مطالباً بإنهاء “الانقلاب” الذي نفذته الحركة منذ عام 2007. جاءت هذه التصريحات خلال اجتماع افتراضي عقده مع اللجنة الوزارية العربية الإسلامية في ظل الحرب الدامية المستمرة في غزة، والتي تسببت في سقوط آلاف الضحايا من المدنيين.
هذا التصريح المثير للجدل فتح الباب أمام تساؤلات كبرى حول مستقبل الوحدة الوطنية الفلسطينية، ومصير قطاع غزة في ضوء التصعيد العسكري والسياسي بين حماس والسلطة الفلسطينية من جهة، وبين حماس والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى.
❖ عباس: لا شرعية لحماس في غزة
أكد محمود عباس خلال الاجتماع أن استمرار سيطرة حماس على قطاع غزة يمثل “انقلاباً على الشرعية”، مشيراً إلى أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر، وأنه لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار في فلسطين دون إنهاء هذا الانقسام. وقال عباس:
“يجب أن يتوقف الانقلاب، يجب أن تُسلّم الرهائن، يجب وقف نزيف الدم، ويجب أن تعود غزة إلى الشرعية الفلسطينية”.
وشدد الرئيس الفلسطيني على ضرورة وقف إطلاق النار فوراً، وإعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة لتتحمل مسؤولياتها كاملة، سواء على الصعيد المدني أو الأمني.
❖ حماس ترد: تصريحات عباس “خارج السياق” وتخدم الاحتلال
من جهتها، رفضت حركة حماس تصريحات محمود عباس، ووصفتها بأنها “خارجة عن السياق الوطني”، معتبرة أنها تمثل “خدمة مجانية للاحتلال الإسرائيلي” في وقت يتعرض فيه القطاع لأبشع المجازر. وقالت حماس في بيان رسمي:
“بدلاً من تحميل الاحتلال مسؤولية القتل والدمار، يختار عباس مهاجمة المقاومة وتجاهل تضحيات الشعب الفلسطيني”.
ورأى مراقبون أن هذا الرد يُعيد إلى الواجهة أزمة الثقة بين حماس والسلطة الفلسطينية، ويطرح تساؤلات عميقة حول فرص نجاح أي جهود مصالحة مستقبلية، في ظل تعارض المصالح والاتهامات المتبادلة.
❖ خلفية الأزمة: صراع طويل على السلطة في غزة
منذ سيطرة حماس على قطاع غزة في عام 2007 بعد أحداث دامية مع حركة فتح، يعيش الفلسطينيون في ظل انقسام سياسي عميق بين الضفة الغربية التي تديرها السلطة الفلسطينية، وغزة التي تديرها حماس. هذا الانقسام تسبب في تعقيد المشهد السياسي الفلسطيني، وأضعف الموقف الموحد في مواجهة الاحتلال.
تكررت محاولات الوساطة العربية والدولية لتحقيق المصالحة، لكنها باءت جميعها بالفشل بسبب خلافات حول تقاسم السلطة، وملف السلاح، والتحكم في المعابر والموارد المالية. تصريحات عباس الأخيرة تأتي لتُعمّق هذا الشرخ في وقت حرج تشهده القضية الفلسطينية.
❖ ملف الرهائن: نقطة التوتر الجديدة
تصريحات محمود عباس بشأن تسليم الرهائن الذين تحتجزهم حماس منذ عملية 7 أكتوبر، تضيف بُعداً جديداً للصراع. فالرهائن الذين تحتجزهم الحركة يشكّلون ورقة ضغط كبيرة في يد حماس، تستخدمها في المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي للحصول على مكاسب سياسية وإنسانية.
في المقابل، تُطالب الولايات المتحدة والدول الأوروبية بالإفراج الفوري عن الرهائن، وتعتبر أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار يجب أن يشمل هذا البند كشرط أساسي. وبينما أعلنت حماس مؤخراً استعدادها للإفراج عن 10 رهائن أحياء و18 جثة مقابل وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب الاحتلال من غزة، قوبل هذا العرض بالرفض من واشنطن وتل أبيب، ووصفته الإدارة الأمريكية بأنه “غير مقبول تماماً”.
❖ السلطة الفلسطينية تحت المجهر
تصريحات محمود عباس تعكس أيضاً رغبة السلطة الفلسطينية في استعادة دورها في غزة بعد سنوات من التهميش. فقد تراجعت مكانة السلطة لدى الفلسطينيين في السنوات الأخيرة، بسبب فقدان الثقة في قدرتها على إدارة الأزمات أو حماية الشعب من الاحتلال.
لكن عودة السلطة إلى غزة تتطلب، وفق المراقبين، توافقاً فلسطينياً واسعاً، وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية، وتوفير ضمانات دولية بعدم تكرار سيناريو الانقسام. وهو ما يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي، خاصة مع تزايد الشكوك حول شرعية السلطة نفسها، بعد غياب الانتخابات الرئاسية والتشريعية منذ أكثر من 17 عاماً.
❖ المجتمع الدولي: بين دعم عباس ومخاوف من التصعيد
الموقف الدولي من تصريحات عباس جاء متبايناً. بعض الدول العربية والإسلامية أعربت عن دعمها لموقف السلطة، باعتباره يعكس الشرعية الفلسطينية، فيما فضّلت قوى أخرى التزام الحياد، مطالبة بوحدة الصف الفلسطيني بدلاً من التراشق الإعلامي.
في المقابل، تخشى أطراف غربية من أن تؤدي هذه التصريحات إلى تفجير الوضع الداخلي الفلسطيني، ما قد يُعقّد جهود الوساطة الدولية الرامية إلى التوصل لاتفاق هدنة شامل، يُنهي النزاع المستمر منذ أكثر من 20 شهراً في غزة.
❖ هل تتخلى حماس عن حكم غزة فعلاً؟
السؤال الأبرز اليوم في المشهد الفلسطيني هو: هل يمكن أن تتخلى حماس عن حكم غزة فعلياً؟ حتى الآن، لا توجد مؤشرات حقيقية على ذلك، فالحركة ترى في سيطرتها على القطاع مصدر قوة وتوازن في مواجهة الاحتلال، وتربط أي خطوات من هذا النوع بتحقيق توافق وطني شامل، لا بفرض الإملاءات من الخارج.
كما تعتبر حماس أن دورها في “مقاومة الاحتلال” لا يمكن أن يُفصل عن دورها السياسي، وترفض تسليم سلاحها أو الخروج من المشهد، ما يجعل الحديث عن إنهاء سيطرتها على غزة أشبه بالحلم في ظل المعطيات الحالية.
تصريحات محمود عباس بشأن تسليم الرهائن والتخلي عن حكم غزة تمثل تطوراً خطيراً في المشهد الفلسطيني الداخلي، وتعكس استمرار الانقسام السياسي رغم الحرب المدمرة في القطاع. وبينما تطالب السلطة الفلسطينية بإنهاء “الانقلاب”، ترفض حماس أي شروط تُفرض عليها من الخارج.
وفي ظل هذه التوترات، يبقى مستقبل غزة معلقاً بين معادلات دولية معقدة، وصراعات داخلية مزمنة، مما يجعل أي حل سياسي يحتاج إلى أكثر من مجرد تصريحات… بل إلى توافق حقيقي يضع مصلحة الشعب فوق المصالح الفصائلية.