وفاة أفقر رئيس في العالم تُشعل مواقع التواصل... ماذا قال في وصيته؟
وفاة أفقر رئيس في العالم تُشعل مواقع التواصل... ماذا قال في وصيته؟

في عالمٍ يتسابق فيه السياسيون على الثراء والسلطة، برز اسم خوسيه موخيكا كاستثناءٍ نادر، ليحمل لقبًا غير مألوف: “أفقر رئيس في العالم”. لم يكن هذا اللقب إهانة، بل وسام شرف جعل منه أيقونة للنزاهة والزهد والتواضع. فمن هو هذا الرجل الذي رفض العيش في القصور، وفضّل مزرعة متواضعة على أفخم المساكن الرئاسية؟ ولماذا لا يزال يُذكر حتى بعد وفاته كأحد أكثر زعماء العالم احتراماً؟

من هو خوسيه موخيكا؟

وُلد خوسيه ألبرتو موخيكا كوردانو في 20 مايو 1935 في العاصمة الأوروغوانية مونتيفيديو. نشأ في بيئة ريفية بسيطة، الأمر الذي شكّل رؤيته للعالم وموقفه تجاه الفقر والعدالة الاجتماعية. لم يكن طريقه نحو الرئاسة تقليدياً، بل مليئاً بالتضحيات، حيث قضى سنواتٍ في السجن خلال فترة حكم الديكتاتورية العسكرية، بسبب انضمامه لحركة يسارية ثورية تُدعى “التوباماروس”.

من السجن إلى سدة الحكم

أمضى موخيكا أكثر من 12 عاماً في السجن، معظمها في الحبس الانفرادي، وخرج عام 1985 بعد سقوط النظام العسكري. بدلاً من الانزواء، عاد للعمل السياسي، والتحق بـ”الجبهة الموسعة”، وهو تحالف يساري تمكّن لاحقاً من الوصول إلى الحكم. وفي عام 2010، أصبح موخيكا رئيساً لجمهورية الأوروغواي، ليبدأ فصلًا جديداً من حياته يجمع بين السلطة والتقشف.

لماذا لُقّب بـ”أفقر رئيس في العالم”؟

الشهرة التي حظي بها موخيكا لم تكن بسبب قراراته السياسية فقط، بل بسبب نمط حياته الفريد. عاش في مزرعة بسيطة خارج العاصمة، ورفض الانتقال إلى القصر الرئاسي. كان يقود سيارة “فولكس فاجن بيتل” قديمة موديل 1987، ويرتدي الملابس العادية دون بهرجة.

تبرع موخيكا بـ90% من راتبه الرئاسي الذي بلغ نحو 12 ألف دولار شهريًا، مكتفيًا بـ1,200 دولار فقط، لتغطية نفقاته الشخصية. أما الباقي، فكان يذهب إلى منظمات إنسانية ومساعدات للفقراء. حين سُئل عن ذلك، قال:

“أنا لست فقيرًا. الفقراء هم من يحتاجون الكثير ليعيشوا. أنا أعيش بالقليل الذي أحتاجه فقط.”

أسلوبه في الحكم.. نزاهة تتحدى التقاليد

لم يكن زهد موخيكا مجرد دعاية سياسية، بل امتد إلى أسلوب حكمه. رفض الامتيازات، وتحدّث بصراحة عن قضايا الفساد. خلال فترة رئاسته من 2010 إلى 2015، تمكّن من إجراء إصلاحات اجتماعية مثيرة للجدل، مثل:

  • تقنين زواج المثليين
  • إقرار قانون الإجهاض
  • تنظيم سوق القنب (الحشيش)

ورغم هذه القرارات، لم يكن شعبوياً، بل براغماتياً، مؤمناً أن التغيير لا يأتي فقط بالشعارات، بل عبر إصلاحات واقعية.

كيف نظر إليه العالم؟

تناولت وسائل الإعلام العالمية شخصية خوسيه موخيكا بإعجاب، واعتُبر رمزاً عالمياً للنزاهة والبساطة. وظهر في العديد من البرامج الوثائقية، بينها:

  • فيلم وثائقي على Netflix بعنوان El Pepe: A Supreme Life
  • لقاءات متعددة مع وسائل إعلام مثل BBC وThe Guardian

لقبه “أفقر رئيس في العالم” لم يكن سخرية، بل احتفاء بتواضعه ونزاهته. لم يكن موخيكا فقيراً حقًا، بل غنيًا بالقيم والمبادئ التي فقدها كثير من السياسيين.

وفاته.. وداع الرئيس الإنسان

في 13 مايو 2025، توفي خوسيه موخيكا عن عمر يناهز 89 عامًا بعد صراع مع مرض سرطان المريء. وقد أوصى بأن يُدفن في مزرعته المتواضعة إلى جانب كلبته الأليفة “مانويلا”، دون أي مراسم رسمية أو مظاهر فخمة. رحل الرجل الذي رفض التكلّف في حياته، بنفس البساطة التي عاش بها.

ماذا نتعلم من تجربة خوسيه موخيكا؟

تجربة موخيكا تقدم درسًا بالغ الأهمية في عالم السياسة المعاصر: أن القيادة ليست بالمظاهر، بل بالمبادئ. لقد أثبت أن رئيس الدولة لا يجب أن يعيش حياة الملوك حتى يكون فعالًا، بل يمكن أن يكون خادماً حقيقياً لشعبه من خلال التواضع والشفافية.

كما تلهم قصته الأجيال الجديدة في أنحاء العالم بأن التغيير ممكن، وأن الزهد ليس ضعفاً، بل قوة أخلاقية تُكسبك احترام الجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *