
لطالما كانت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية واحدة من أكثر التحالفات السياسية ثباتًا وتأثيرًا في الشرق الأوسط والعالم. فمنذ إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948، وقفت الولايات المتحدة الأمريكية كداعم رئيسي لها، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا. لكن في الآونة الأخيرة، بدأت تظهر مؤشرات توتر تُنبئ بتحول جذري في هذا التحالف التاريخي، ما يثير تساؤلات واسعة حول مستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.
جذور التحالف الأمريكي الإسرائيلي
تعود بداية التحالف الأمريكي الإسرائيلي إلى الاعتراف السريع من قبل واشنطن بإسرائيل بعد إعلان تأسيسها. ومنذ ذلك الحين، قدمت الولايات المتحدة دعمًا غير مسبوق لإسرائيل في المحافل الدولية، إضافة إلى مساعدات عسكرية سنوية تُقدَّر بمليارات الدولارات.
وقد تكرّس هذا التحالف بقوة خلال الحرب الباردة، حين كانت إسرائيل تمثل ذراعًا استراتيجيًا للولايات المتحدة في مواجهة النفوذ السوفييتي في المنطقة، ولاحقًا في مواجهة إيران وحركات المقاومة في الشرق الأوسط.
الأسباب المباشرة لتوتر العلاقات بين أمريكا وإسرائيل
في السنوات الأخيرة، بدأت العلاقات تمر بمرحلة “برود سياسي”، وظهرت خلافات بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة والحكومات الإسرائيلية، خاصة في عهد بنيامين نتنياهو. ومن أبرز الأسباب التي ساهمت في توتر العلاقات بين أمريكا وإسرائيل:
- الملف الإيراني النووي: حيث عارضت إسرائيل بشدة الاتفاق النووي مع إيران، بينما كانت إدارة أوباما ثم بايدن تسعى لإحيائه، مما خلق فجوة عميقة في الرؤية الاستراتيجية للطرفين.
- سياسات الحكومة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين: تتعرض إسرائيل لانتقادات دولية متزايدة بسبب ممارساتها في غزة والضفة الغربية، وأصبحت الإدارات الأمريكية، خاصة الديمقراطية، أقل تسامحًا مع هذه السياسات، خوفًا على صورتها الدولية.
- تنامي الأصوات المعارضة في الداخل الأمريكي: في السنوات الأخيرة، بدأت بعض التيارات السياسية في الكونغرس الأمريكي تنتقد بشكل علني الدعم الأمريكي لإسرائيل، وخاصة مع تزايد الانتهاكات ضد المدنيين الفلسطينيين.
هل أمريكا تتخلى عن إسرائيل؟
رغم أن الحديث عن “تخلي أمريكا عن إسرائيل” يبدو مبالغًا فيه حاليًا، إلا أن هناك مؤشرات قوية على تغيير في سياسة أمريكا تجاه إسرائيل. لم تعد واشنطن تُعطي تل أبيب شيكًا على بياض كما كان في السابق، وبدأت الإدارة الأمريكية تفرض شروطًا، خصوصًا في ما يتعلق بالمساعدات العسكرية أو العمليات في غزة.
أبرز هذه المؤشرات ظهرت في عدة ملفات حساسة، منها:
- رفض أمريكا دعم ضربات إسرائيلية ضد إيران دون موافقتها.
- إعلان خطط أمريكية للمساعدات الإنسانية في غزة دون تنسيق مع إسرائيل.
- غياب إسرائيل عن جولات أمريكية دبلوماسية في الشرق الأوسط.
مستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية
يتوقف مستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية على مجموعة من العوامل، أهمها:
- من سيحكم في إسرائيل؟ فوجود نتنياهو في السلطة يجعل التواصل مع واشنطن أكثر صعوبة، خاصة في ظل الخلافات الشخصية والسياسية مع قادة الحزب الديمقراطي.
- من سيحكم في أمريكا؟ فبينما يرى الجمهوريون إسرائيل حليفًا لا جدال فيه، يميل الديمقراطيون إلى إعادة تقييم هذه العلاقة بما يتماشى مع القيم الأمريكية والضغط الشعبي المتزايد.
- تطورات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وما إذا كانت إسرائيل ستستمر في نهجها الحالي أم ستتجه نحو حلول دبلوماسية أكثر مرونة.
الخلاصة
تبقى العلاقات الأمريكية الإسرائيلية من أهم الملفات الجيوسياسية في العالم، لكن من الواضح أن التحالف التقليدي يمر بمرحلة إعادة تقييم. لم تعد إسرائيل “الحليف المدلل”، بل أصبحت موضع تساؤل حتى من داخل أمريكا نفسها.
إن مستقبل إسرائيل في الشرق الأوسط لم يعد مرهونًا فقط بدعم واشنطن، بل أصبح يتطلب سياسة أكثر توازنًا وانفتاحًا على الحلول، خاصة في ظل التغيرات المتسارعة في مواقف الرأي العام العالمي.
[…] بالغ الحساسية، وتُعدّ محطة محورية في إعادة تشكيل العلاقات الأمريكية الخليجية، وسط ملفات اقتصادية وأمنية […]