Illustrative purposes only: A Russian Air Force Sukhoi Su-34 fighter jet flying over the sky in the rebel-held town of Arbin in Syria, on Feb. 20, 2018. (Abdulmonam Eassa/AFP)
مقاتلات روسية تنتهك الأجواء الفنلندية وسط تصاعد التوترات مع الناتو

في واقعة خطيرة تنذر بتفاقم الأزمة الجيوسياسية في شمال أوروبا، أعلنت وزارة الدفاع الفنلندية يوم الخميس 23 مايو 2025 عن انتهاك محتمل للمجال الجوي الفنلندي من قبل طائرتين عسكريتين روسيتين. الحادثة وقعت فوق مياه خليج فنلندا، وأثارت استنفارًا فوريًا من السلطات العسكرية في هلسنكي التي أكدت أنها بدأت تحقيقًا رسميًا بمشاركة حرس الحدود الفنلندي.

الطائرات الروسية تعبر الخط الأحمر

وفقًا للبيان الرسمي الصادر عن وزارة الدفاع الفنلندية، دخلت طائرتان روسيتان من طراز غير محدد الأجواء السيادية لفنلندا دون تنسيق مسبق، في انتهاك مباشر للمعايير الدولية للطيران المدني والعسكري. ولم توضح السلطات حتى الآن مدة الانتهاك أو المسافة التي توغلت فيها الطائرات، إلا أن الحادث يُعد الأول من نوعه منذ انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أبريل 2023.

وزير الدفاع الفنلندي، أنتي هاكانن، قال في تصريح صحفي:

“نأخذ هذا الانتهاك على محمل الجد. سيتم التحقيق في الحادث بدقة، ولن نتردد في اتخاذ ما يلزم لحماية سيادة فنلندا.”

فنلندا والناتو: تحالف جديد في مواجهة قديم

تأتي هذه الحادثة بعد أقل من عامين على انضمام فنلندا رسميًا إلى حلف الناتو، في خطوة أثارت غضب موسكو بشدة واعتبرتها تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. فنلندا، التي تشترك مع روسيا في حدود برية تمتد لأكثر من 1300 كيلومتر، لطالما كانت تُعد دولة محايدة خلال الحرب الباردة، لكن غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022 دفعها لإعادة حساباتها الاستراتيجية والانضمام إلى التحالف الغربي.

ومنذ ذلك الحين، حذرت روسيا مرارًا وتكرارًا من “عواقب وخيمة” لانضمام فنلندا إلى الناتو، مشيرة إلى أنها سترد عسكريًا في حال شعرت بتهديد مباشر من حدودها الشمالية الغربية.

تصعيد روسي متكرر: تكتيك أم استفزاز؟

ليست هذه المرة الأولى التي تقوم فيها روسيا بتحركات عسكرية استفزازية قرب حدود دول الناتو. ففي السنوات الأخيرة، كثّفت موسكو من تحليق طائراتها الحربية على مقربة من المجال الجوي لدول مثل السويد، النرويج، ودول البلطيق. وغالبًا ما يتم ذلك دون تشغيل أجهزة التعرّف (transponders) أو تقديم خطط طيران، مما يزيد من خطر الاصطدام أو إساءة التقدير من قبل دفاعات الدول المجاورة.

وتُشير تقارير استخباراتية غربية إلى أن هذه التكتيكات تهدف إلى اختبار ردود فعل الناتو، وخلق نوع من الضغط النفسي والسياسي على الدول الأعضاء الجديدة مثل فنلندا والسويد.

كيف ردت فنلندا؟

رغم أن فنلندا لم تُعلن عن أي تحرك عسكري مباشر ردًا على الحادث، إلا أن وزارة الدفاع أكدت أن القوات الجوية كانت في حالة تأهب قصوى أثناء الحادث، وتم تعقب الطائرات الروسية لحظة دخولها وخروجها من الأجواء الفنلندية.

كما أعلنت فنلندا أنها أبلغت شركاءها في حلف الناتو بالحادث، في إشارة إلى أن هذه الانتهاكات قد تُناقش ضمن اجتماعات التحالف القادمة، وقد تدفع إلى تعزيز الحضور العسكري في منطقة بحر البلطيق.

محللون: الوضع قابل للاشتعال

يرى مراقبون أن الحادث ليس مجرد اختراق عرضي للمجال الجوي، بل رسالة روسية واضحة لحلف الناتو مفادها أن موسكو لا تزال قادرة على تهديد حدود التحالف حتى في مناطق بعيدة عن أوكرانيا.

المحلل العسكري الفنلندي “مارتي كوستيلا” صرّح للصحافة المحلية قائلًا:

“الانتهاك الجوي رسالة سياسية أكثر منه عمل عسكري مباشر. لكن خطورته تكمن في احتمالية تكراره، وربما تصعيده مستقبلًا.”

موسكو تلتزم الصمت

حتى لحظة كتابة هذه المقالة، لم تُصدر وزارة الدفاع الروسية أي تعليق رسمي بشأن الحادث. لكن يُرجح أن تنكر موسكو الحادث كعادتها في مثل هذه الحالات، أو تعتبره جزءًا من “مناورات تدريبية روتينية” وفق ما درجت عليه في السابق.

ما هو القادم؟

المراقبون الدوليون يتابعون التطورات عن كثب، خاصة في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتعثر محادثات السلام. ويتوقع كثيرون أن تشهد الأشهر المقبلة مزيدًا من التحركات العسكرية الروسية قرب حدود الناتو، بهدف إرباك التحالف واختبار مدى التزامه بحماية أعضائه الجدد.

فنلندا من جهتها، أعلنت أنها ستواصل تعزيز قدراتها الدفاعية، خاصة في مجال الدفاع الجوي، بالتعاون مع الشركاء الغربيين.

خاتمة: هل نحن أمام مرحلة جديدة من الحرب الباردة؟

حادثة اختراق الأجواء الفنلندية ليست مجرد واقعة عابرة، بل مؤشر على تصاعد التوترات بين الغرب وروسيا في مرحلة ما بعد أوكرانيا. ومع انضمام دول جديدة إلى الناتو، وتزايد التواجد العسكري على أطراف روسيا، يبدو أن أوروبا تتجه نحو جبهة جديدة من المواجهة الباردة، ولكن هذه المرة، بأسلحة ومخاطر أكثر حدّة من تلك التي عرفها العالم في القرن العشرين.

One thought on “مقاتلات روسية تنتهك الأجواء الفنلندية وسط تصاعد التوترات مع الناتو”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *