
وسط أزيز الصواريخ وتصاعد الدخان في سماء دونباس وخاركيف، جاء نبأ تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا ليشكل بارقة أمل في صراع دموي لم يعرف التوقف منذ فبراير 2022. في أكبر عملية تبادل منذ بدء الحرب، أُطلق سراح مئات الأسرى من الجانبين، في صفقة مفاجئة اعتبرها مراقبون بداية لتحركات دبلوماسية غير معلنة.
🔹 تفاصيل عملية التبادل بين روسيا وأوكرانيا
أعلنت وزارة الدفاع الروسية يوم 23 مايو 2025 عن إتمام صفقة تبادل مع الجانب الأوكراني شملت إطلاق سراح 150 جنديًا روسيًا مقابل 150 أسيرًا أوكرانيًا. تمت العملية في منطقة حدودية لم يُعلن عنها رسميًا، تحت إشراف منظمات دولية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وفي بيان رسمي، وصفت الحكومة الأوكرانية الخطوة بأنها “نصر إنساني”، مشيرة إلى أن الأسرى العائدين تلقوا رعاية طبية ونفسية فور وصولهم إلى الأراضي الأوكرانية. من جانبها، أكدت موسكو أن العملية تمت وفق “مبادئ إنسانية”، رغم استمرار العمليات القتالية على أكثر من جبهة.
🔹 ردود فعل دولية
قوبلت عملية التبادل بترحيب دولي حذر. فقد أعربت الأمم المتحدة عن أملها في أن تمثل هذه الخطوة تمهيدًا لمفاوضات أوسع تهدف إلى وقف إطلاق النار. كما أشادت المفوضية الأوروبية بالخطوة، داعية إلى “حماية حقوق الأسرى وفق اتفاقية جنيف”.
أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لعب دور الوسيط في بعض الملفات الإنسانية خلال الحرب، فقد أكد أن بلاده “مستعدة لرعاية جولات جديدة من التفاوض إذا رغبت الأطراف”.
🔹 البعد الإنساني: شهادات مؤثرة من أسرى الحرب
بعض الأسرى المفرج عنهم تحدثوا لوسائل الإعلام عن ظروف اعتقالهم. الجندي الأوكراني “يفغين كرافتشينكو” صرّح:
“قضيت 14 شهرًا في زنزانة مظلمة بلا تدفئة ولا رعاية صحية. لم أكن أتوقع النجاة، لكنني عدت بفضل صمود شعبنا.”
في المقابل، نقلت وسائل إعلام روسية شهادات متشابهة من جنود روس عانوا من العزلة ونقص العلاج داخل معتقلات أوكرانية.
🔹 التصعيد على الجبهات: قصف وقصف مضاد
ورغم عملية التبادل، لم تهدأ نيران الحرب. ففي اليوم ذاته، شنت القوات الروسية سلسلة من الغارات الجوية على مدينة خاركيف، مما أدى إلى مقتل 13 مدنيًا، بينهم أطفال، وإصابة العشرات. كما واصلت أوكرانيا استهداف مواقع روسية في شبه جزيرة القرم باستخدام طائرات مسيّرة.
تحذر التقارير الاستخباراتية الغربية من أن الصيف المقبل قد يشهد أكبر موجة تصعيد منذ بدء الحرب، مع إرسال روسيا لتعزيزات عسكرية جديدة إلى جبهة دونيتسك.
🔹 هل تمهد الصفقة لمفاوضات قادمة؟
يرى محللون أن صفقة التبادل قد لا تكون مجرد لفتة إنسانية، بل تمثل اختبارًا لنوايا الطرفين نحو فتح قنوات تواصل جديدة. فقد تحدثت مصادر استخباراتية أوكرانية عن وساطات “غير معلنة” تجري بوساطة قطرية وإماراتية، تشمل ملفات أوسع مثل تبادل الجثامين، ووقف استهداف المنشآت المدنية.
ومع ذلك، لا توجد إشارات رسمية حتى الآن حول أي محادثات سياسية قادمة، خاصة في ظل رفض كييف تقديم أي تنازلات إقليمية، وإصرار موسكو على “تحقيق أهداف العملية الخاصة”.
🔹 ختامًا: خطوة صغيرة في طريق طويل
تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، رغم محدوديته، يمثل لحظة نادرة من الإنسانية وسط وحشية الحرب. لكنه لا يُخفي واقعًا قاتمًا يتطلب جهودًا دولية هائلة لوقف نزيف الدم، وإعادة بناء ما دمرته آلة الحرب في أوروبا الشرقية.
ما لم يتم استثمار هذه اللحظة سياسيًا، فإنها قد تظل مجرد خبر في أرشيف الصراع، بدلًا من أن تكون بداية لنهايته.