
في مشهد يتكرر يومًا بعد آخر، تجددت مأساة أهالي قطاع غزة، وهذه المرة في مدينة رفح الفلسطينية، حيث فتحت قوات الاحتلال الإسرائيلي النار وسط فوضى عارمة خلال محاولة آلاف المواطنين الحصول على المساعدات الإنسانية. الحادثة أثارت موجة غضب واستنكار دولي، وكشفت مجددًا عمق الأزمة الإنسانية التي تعيشها غزة تحت الحصار، في وقت يعجز فيه العالم عن التحرك الفعلي لإنقاذ المدنيين.
تفاصيل الحادثة: رصاص الاحتلال بدلًا من الخبز
شهدت منطقة تل السلطان غرب مدينة رفح حالة من الفوضى خلال عملية توزيع مساعدات غذائية مقدمة من مؤسسة أمريكية، حيث اقتحم مئات المواطنين الموقع في محاولة للحصول على قوت يومهم بعد أشهر من الجوع والمعاناة. في خضم التدافع، أطلقت قوات الاحتلال النار في الهواء لتفريق الحشود، ما أدى إلى حالة من الهلع، وسقوط عدد من الإصابات.
شهود عيان تحدثوا عن “مشهد مأساوي”، حيث تدافع الناس بين رصاص الاحتلال وغياب أي تنظيم فعلي لعملية التوزيع، ما تسبب في تدمير مركز المساعدات وانسحاب المنظمات الإغاثية من الموقع.
السياق الإنساني: قطاع غزة على شفير المجاعة
ما حدث في رفح ليس حادثة منعزلة، بل هو نتيجة مباشرة لأشهر من الحصار الإسرائيلي الخانق الذي شلّ كل سبل الحياة في القطاع. أكثر من مليوني فلسطيني في غزة يعانون من نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه النظيفة، مع انهيار البنية التحتية ونظام الرعاية الصحية بالكامل.
ويُذكر أن إسرائيل كانت قد شددت الحصار على غزة منذ عدة أشهر، مما أدى إلى منع دخول معظم المساعدات الإنسانية، قبل أن تسمح جزئيًا بوصول بعض المواد الإغاثية وسط ضغوط أمريكية وأممية. لكن هذه المساعدات بقيت محدودة، وعمليات التوزيع غالبًا ما تشهد فوضى بسبب حجم الحاجة وغياب التنظيم.
ردود الفعل المحلية والدولية: غضب واستنكار واسع
ندد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بما حدث، معتبرًا أن “الاحتلال فشل في إدارة ملف المساعدات، وتعمد إذلال وتجويع سكان القطاع”. وأضاف أن إطلاق النار على المدنيين “جريمة جديدة تُضاف إلى سجل الاحتلال الدموي”، داعيًا إلى تدخل دولي عاجل لإغاثة غزة.
في المقابل، حاولت مصادر إسرائيلية تحميل المسؤولية للسكان المحليين والفوضى، متجاهلة أن من تسبب بهذه الفوضى هو الاحتلال نفسه بسياساته التجويعية.
عدد من المنظمات الحقوقية والإنسانية، من بينها هيومن رايتس ووتش وأطباء بلا حدود، طالبت بفتح تحقيق مستقل في الحادثة، مشيرة إلى أن استخدام القوة في مواقع توزيع المساعدات يعد خرقًا واضحًا للقانون الدولي الإنساني.
معاناة متفاقمة: أطفال غزة يدفعون الثمن
وفقًا لتقارير أممية، فإن أكثر من 60% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، والنسبة مرشحة للارتفاع في ظل استمرار الحصار. الأطفال تحديدًا هم الفئة الأكثر تضررًا، حيث يعاني الآلاف منهم من سوء تغذية حاد ونقص في النمو.
في رفح وحدها، هناك مئات العائلات التي لم تتلقَ أي نوع من المساعدات خلال الأشهر الماضية. فوضى تل السلطان ليست سوى انعكاس صارخ لواقع المأساة الممتدة التي لا تجد أذانًا صاغية.
أين المجتمع الدولي؟
الحادثة الأخيرة تفتح الباب مجددًا أمام التساؤلات حول موقف المجتمع الدولي والأمم المتحدة من الجرائم اليومية التي يرتكبها الاحتلال في غزة. رغم التقارير الدورية التي توثق هذه الانتهاكات، لا تزال ردود الفعل غالبًا ما تقتصر على بيانات شجب، دون اتخاذ إجراءات ملموسة لوقف العدوان أو ضمان وصول المساعدات.
من جهتها، اكتفت الإدارة الأمريكية بالتعبير عن “القلق”، في حين اكتفت الأمم المتحدة بدعوة “جميع الأطراف إلى ضبط النفس”. لكن ماذا تعني هذه الدعوات لشعب يذوق الجوع والرعب يوميًا؟
المطلوب فورًا: حماية المساعدات وممرات آمنة
في ضوء هذه التطورات، تطالب المؤسسات الإغاثية بضرورة إنشاء ممرات إنسانية آمنة ومستقرة، بعيدًا عن تدخل قوات الاحتلال، لضمان توزيع المساعدات دون تهديد حياة المدنيين.
كما تجدد المطالب بتدخل عاجل من اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة الأغذية العالمية للإشراف على عمليات التوزيع بشكل مستقل، بعيدًا عن العبث الإسرائيلي.
خاتمة: غزة تستغيث والعالم يصمّ أذنيه
حادثة رفح تفضح مجددًا حجم المعاناة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون تحت الاحتلال، وتُظهر بجلاء أن الحصار والتجويع أصبحا أدوات حرب ممنهجة. إن إطلاق النار خلال توزيع المساعدات ليس مجرد حادث عرضي، بل هو سياسة ممنهجة لإذلال الشعب الفلسطيني، وتجريده من أدنى مقومات الحياة.
وفيما ينتظر أهالي غزة طحينًا أو كيس أرز، تطلق بنادق الاحتلال رصاصها لتمنعهم حتى من البقاء أحياء.
[…] غزة، مؤكدًا أن هناك جهودًا جادة تعمل على تسريع إيصال الغذاء للفلسطينيين الذين يعانون من أوضاع إنسانية كارثية. […]