
في زمن باتت فيه الكلمة تُحاصر، والصورة تُمنع، برز شاب فلسطيني من بين ركام غزة، يحمل كاميرته وهو يرتدي سترة “PRESS”، لكن صوته كان أقوى من كل المدافع، وأسلوبه كان أغرب من أن يُتجاهل. عبود بطاح، ابن الـ17 عامًا، لم يكن مجرد ناقل للحدث، بل كان ظاهرة إعلامية فريدة غيّرت مفهوم الصحافة تحت النار.
من هو عبود بطاح؟
ولد عبود بطاح عام 2007 في قطاع غزة، حيث عاش ونشأ وسط الحصار والقصف والدمار. منذ صغره، كان مولعًا بالكاميرا والصوت، لكنه لم يكن يتوقع أن يكون يومًا مراسلًا إعلاميًا في قلب الحرب. بدأ بتوثيق معاناة أهل غزة بطريقة ساخرة ومؤثرة في آنٍ واحد، ما جعله يحصد إعجاب الملايين على منصات التواصل الاجتماعي.
الصحفي الذي تحدى الحرب بالفكاهة
في الوقت الذي تتردد فيه كبرى المؤسسات الإعلامية في إرسال صحفييها إلى غزة، كان عبود بطاح ينقل يوميات الحرب بعباراته الساخرة، مثل:
“يا جماعة وقفوا القصف شوية علشان نصور تقرير!”
هذه الجملة وحدها، وسط صوته المرتجف والدمار من حوله، كانت كافية لتنتشر كالنار في الهشيم.
أسلوبه الهجين بين الجدية والسخرية لم يكن مجرد تسلية، بل وسيلة لشد الانتباه، ولإيصال رسائل قوية في قالب بسيط لا يُنسى.
عدد المتابعين… بالملايين
لم يكن طريق الشهرة سهلاً، ولكن عندما تكون صادقًا وتُخاطب القلوب، تجد طريقك ولو من بين الأنقاض. عبود بطاح استطاع أن يجمع:
- 3.6 مليون متابع على إنستغرام
- 771 ألف متابع على تيك توك
- 197 ألف متابع على فيسبوك
- 113 ألف مشترك على يوتيوب
كل هذا وهو لا يزال في سن المراهقة، ولكن بروح محارب وكاريزما لا تُشترى.
الاعتقال الذي كشف وجه الاحتلال
في 25 أكتوبر 2024، تم اعتقال عبود بطاح من مستشفى كمال عدوان أثناء توثيقه لما يحدث هناك. الجنود الإسرائيليون لم يفرقوا بين طفل ومُصور، بين صحفي وناشط… الجميع هدف.
خلال احتجازه، تعرض عبود للضرب والإهانة، وتم تهديده بالقتل. لكنه خرج من المحنة أكثر قوة، وأعلن عن عودته عبر فيديو جديد من قلب مخيم جباليا، قائلاً:
“رجعتلكم… ولسه الصوت ما انكتمش!”
الإرث الإعلامي لشيرين أبو عاقلة… و”الوريث الصغير”
ما زاد من رمزية عبود بطاح، هو تشبيهه لنفسه بـ “الوريث الوحيد لشيرين أبو عاقلة”، الصحفية الفلسطينية التي اغتيلت برصاص الاحتلال. ربما اعتبر البعض ذلك مبالغة، لكن شجاعته ومثابرته على نقل الحقيقة من قلب الخطر، جعلته رمزًا إعلاميًا يستحق هذا اللقب.
عبود بطاح نموذج لجيل جديد من الصحفيين
ما يميز عبود ليس فقط شجاعته أو أسلوبه، بل فهمه العميق لتأثير الإعلام الجديد. فقد دمج بين الصورة والكلمة، بين المشاعر والواقع، وصاغ منها محتوى قادر على تخطي الحواجز الثقافية والسياسية.
في كل فيديو، كان يبعث برسالة: أن الفلسطيني ليس مجرد رقم أو خبر عابر، بل إنسان حي، له صوت، وضحكة، وكرامة.
دعوة للمجتمع الدولي والإعلام
عبود بطاح لا يمثل فقط حالة فردية، بل هو مرآة لوضع إعلامي خطير في فلسطين. وجوده يعني أن هناك جيلًا جديدًا يرفض الصمت، ويُقاوم بالكلمة والصورة، ويكسر الحصار بكل الوسائل الممكنة.
خاتمة: عبود بطاح… قصة لن تُنسى
في عالم امتلأ بالأكاذيب، كان عبود بطاح “الصحفي الصغير” الذي قال الحقيقة وهو يبتسم. قد لا يحمل لقبًا أكاديميًا أو يعمل في شبكة إخبارية ضخمة، لكنه ترك أثرًا يعجز عن صناعته كبار المراسلين.
إنه عبود بطاح… “أقوى صحفي في العالم” ليس لأنه أقوى جسدًا، بل لأنه الأقوى إنسانية وصدقًا، وسط عالم أصمّ أمام صوت غزة.