
في واحدة من أسوأ الكوارث الصحية التي شهدها قطاع غزة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في أكتوبر 2023، أعلنت وزارة الصحة عن وفاة ما يزيد على 40% من مرضى الفشل الكلوي في غزة. هذه الأرقام المفزعة تعكس انهيارًا كاملًا في المنظومة الطبية، وتعري الوجه الحقيقي للأزمة الإنسانية المتصاعدة في القطاع المحاصر.
بينما تنشغل وسائل الإعلام بأخبار الجبهات والقصف، هناك من يموتون بصمت في غرف الغسيل الكلوي، بسبب انقطاع الكهرباء، نقص الأدوية، وإغلاق المعابر.
أزمة صحية غير مسبوقة تضرب غزة
قبل الحرب، كان في القطاع المحاصر ما يقرب من 1100 مريض فشل كلوي يتلقون علاجهم بانتظام في سبعة مراكز متخصصة. اليوم، لم يتبقَ منهم سوى مركزين يعملان بقدرات منخفضة للغاية، نتيجة الاستهداف المباشر للمرافق الطبية من قبل الطيران الإسرائيلي.
ووفقًا لتقارير وزارة الصحة الفلسطينية، فإن نحو 450 مريضًا توفوا خلال الأشهر الماضية، ليس بسبب المرض في حد ذاته، بل بسبب غياب أبسط مقومات الرعاية الصحية.
الفشل الكلوي… حكم بالإعدام في غزة
يحتاج مريض الفشل الكلوي إلى ثلاث جلسات غسيل أسبوعيًا، لكن في غزة، ومع بداية الحرب، جرى تقليص الجلسات إلى اثنتين، ثم إلى جلسة واحدة، وفي بعض الفترات توقفت الجلسات تمامًا. وأدى ذلك إلى تراكم السموم في أجساد المرضى، ما سبب الوفاة السريعة للكثير منهم.
مع فقدان الأدوية الحيوية مثل مضادات التجلط ومحاليل الغسيل، أصبحت عملية الغسيل الكلوي محفوفة بالموت أكثر من كونها وسيلة للنجاة.
الحرب تضرب القطاع الصحي في مقتل
إن انهيار القطاع الصحي في غزة ليس فقط بسبب القصف، بل نتيجة الحصار الإسرائيلي الممتد منذ أكثر من 17 عامًا، والذي تفاقم بعد الحرب الأخيرة. فالمشافي أصبحت خارج الخدمة بسبب استهدافها المباشر أو نقص الوقود اللازم لتشغيل مولداتها.
وفي ظل انقطاع الكهرباء المتواصل، أصبح تشغيل أجهزة الغسيل الكلوي تحديًا شبه مستحيل. وبينما توفر المولدات بعض الدعم، إلا أن انعدام الوقود جعلها عديمة الجدوى في معظم الأحيان.
معابر مغلقة ومرضى محتجزون
واحدة من أكبر الكوارث هي إغلاق معابر غزة ومنع المرضى من السفر لتلقي العلاج. فوفق بيانات منظمات حقوقية، فإن أكثر من 16 ألف مريض وجرحى ينتظرون التصاريح الإسرائيلية لمغادرة القطاع، في حين أن الاحتلال لا يسمح إلا لـ50 شخصًا بالمغادرة يوميًا، وغالبًا ما تُرفض طلبات مرضى الكلى.
ولعل هذا الحصار الطبي هو بمثابة حكم جماعي بالإعدام على المرضى الذين كان بالإمكان إنقاذهم لو حصلوا على العلاج في مستشفيات الضفة الغربية أو الخارج.
شهادات من الداخل: الموت أرحم من الانتظار
أم محمد، والدة أحد المرضى، تقول: “ابني كان شابًا في العشرين من عمره، وكان يتحمل الغسيل رغم التعب. بعد بداية الحرب، كان يذهب كل أسبوع مرة، ثم توقف الغسيل، وبدأ جسمه ينتفخ ووجهه يزرق. مات أمام عيني”.
شهادات كهذه تتكرر يوميًا، وتجسد كيف أصبح مرض الفشل الكلوي في غزة مرادفًا للموت المحقق، لا لسبب سوى أن العالم يصمت.
أين المنظمات الدولية؟
مع تصاعد الكارثة الإنسانية في غزة، يطرح السؤال نفسه: أين الأمم المتحدة؟ أين الصليب الأحمر؟ أين منظمة الصحة العالمية؟ لماذا لم يتم إنشاء ممرات إنسانية عاجلة لنقل المرضى؟ ولماذا لم يتم الضغط على الاحتلال للسماح بدخول المعدات والمستلزمات الطبية؟
الغياب شبه التام للدور الدولي يجعل الجرائم الطبية في غزة تمر بصمت، دون محاسبة أو حتى إدانة واضحة.
دعوات لإنقاذ ما تبقى
في ظل هذا الواقع المأساوي، أطلقت منظمات حقوقية وإنسانية عدة نداءات استغاثة عاجلة، تطالب فيها:
- بالسماح الفوري بإدخال الأدوية الخاصة بمرضى الكلى.
- بتوفير الوقود لمراكز الغسيل الكلوي.
- بفتح المعابر للسماح للمرضى بالسفر لتلقي العلاج.
- بإعادة تأهيل المراكز الطبية المدمرة.
- بفرض رقابة دولية على تعامل الاحتلال مع الحالات الإنسانية.
الوضع مرشح للتفاقم: من التالي؟
إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن أعداد الضحايا سترتفع بشكل كبير. فإلى جانب مرضى الفشل الكلوي، هناك مرضى سرطان، أطفال خدّج، وجرحى الحرب، جميعهم ينتظرون فرصة للنجاة قد لا تأتي أبدًا.
الحرب على غزة لم تعد مجرد قصف ومواجهات، بل أصبحت حرب إبادة صحية ممنهجة، تتجاوز كل المعايير الإنسانية والأخلاقية.
خلاصة: غزة تنزف.. والضمير العالمي غائب
وفاة أكثر من 40% من مرضى الفشل الكلوي في غزة ليست مجرد رقم، بل صرخة ألم تفضح الصمت الدولي والتواطؤ الإقليمي. إننا أمام جريمة صحية مكتملة الأركان، يجب أن تُدرج ضمن الجرائم ضد الإنسانية.
ويبقى السؤال الذي يطرحه كل فلسطيني اليوم: إلى متى سيظل العالم يتفرج؟
[…] حماس – مسؤوليتها عن تنفيذ كمين مركب شرق جباليا شمال قطاع غزة، استهدف وحدة إسرائيلية راجلة ومركبة عسكرية من نوع […]
[…] جريمة جديدة تضاف إلى سجل الانتهاكات المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، استشهد أربعة مواطنين فلسطينيين، بينهم طفل، وأصيب […]
[…] في مجلس الأمن الدولي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة. وبينما يعاني المدنيون تحت وطأة القصف الإسرائيلي […]