بعد 19 عامًا من حكمه بالإعدام على صدام حسين.. أين اختفى القاضي رؤوف رشيد؟
بعد 19 عامًا من حكمه بالإعدام على صدام حسين.. أين اختفى القاضي رؤوف رشيد؟

في 5 نوفمبر 2006، جلس القاضي الكردي رؤوف رشيد عبد الرحمن على منصة المحكمة الجنائية العليا في بغداد، ونطق بحكم الإعدام على الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بعد إدانته في قضية الدجيل. كان هذا المشهد تتويجًا لمحاكمة استثنائية، تابعها العالم لحظة بلحظة، واعتبرها الكثيرون نقطة تحول في تاريخ العراق المعاصر.

لكن السؤال الذي ظل يتردد في الأوساط الإعلامية والشعبية على مر السنوات: ما مصير القاضي الذي حاكم صدام حسين؟ وأين اختفى بعد تلك اللحظة التاريخية؟

من هو القاضي رؤوف رشيد عبد الرحمن؟

ولد رؤوف رشيد في مدينة حلبجة الكردية عام 1941، وهي المدينة التي شهدت واحدة من أبشع المجازر في عهد صدام حسين عام 1988 عندما قُصفت بالأسلحة الكيميائية. انتماؤه القومي الكردي، وتاريخ عائلته السياسي، جعلاه شخصية محورية في محاكمة صدام، وطرح تساؤلات كثيرة حول حياديته، لكنه تمسّك بمنهجيته القانونية وقراراته الصارمة.

  • بدأ مسيرته القضائية في السبعينيات.
  • تعرض للسجن والتعذيب في شبابه بسبب نشاطه السياسي.
  • تولى رئاسة الهيئة الأولى في المحكمة الجنائية العراقية العليا.

لحظة النطق بالحكم: ذروة الشهرة والجدل

حين نطق رؤوف رشيد بحكم الإعدام شنقًا حتى الموت بحق صدام حسين، تسلطت عليه الأضواء محليًا ودوليًا. كان الرجل في موقع بالغ الحساسية، فالبعض رآه رمزًا للعدالة، بينما اعتبره آخرون قاضيًا ينفذ “عدالة المنتصر”.

ورغم هذا الجدل، لم يكن هناك أدنى شك بأن القاضي كان يتمتع بثقة السلطات العراقية الجديدة، وأنه يُنفذ ما يراه واجبًا قانونيًا لا سياسيًا.

بعد المحاكمة.. إلى أين ذهب القاضي رؤوف رشيد؟

إجازة في بريطانيا أم لجوء سياسي؟

بعد تنفيذ حكم الإعدام على صدام في 30 ديسمبر 2006، غادر القاضي رؤوف رشيد العراق متوجهًا إلى بريطانيا. وقد أشيع في تلك الفترة أنه طلب اللجوء السياسي هناك، بسبب تهديدات أمنية خطيرة تلقاها.

لكن المحكمة الجنائية العراقية نفت ذلك رسميًا، وأكدت أن القاضي رؤوف في “إجازة خاصة وسيعود إلى عمله القضائي قريبًا”، وهو ما حدث بالفعل لاحقًا حيث عاد إلى العراق وتسلم مجددًا رئاسة الهيئة الجنائية.

شائعات الوفاة.. حقيقة أم فبركة إعلامية؟

في عام 2019، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي أخبارًا تفيد بوفاة القاضي رؤوف رشيد داخل أحد مستشفيات السليمانية. هذه الأخبار أثارت ضجة واسعة، نظرًا لحساسية الشخصية ومكانتها الرمزية في ذاكرة العراقيين.

غير أن ابنه “رنج رؤوف” خرج في بيان رسمي نفى فيه تلك الأنباء تمامًا، وأرفق صورة حديثة لوالده، مؤكدًا أن “والدي يتمتع بصحة جيدة ويقضي وقته مع العائلة”.

أين هو اليوم؟ مصير القاضي بعد 19 عامًا

رغم اختفائه شبه الكامل من المشهد الإعلامي بعد 2006، تشير معظم المصادر إلى أن القاضي رؤوف رشيد:

  • لا يزال حيًّا، ويُعتقد أنه يعيش في إقليم كردستان العراق، بعيدًا عن الأضواء.
  • توقف عن العمل القضائي بعد تقاعده من المحكمة الجنائية.
  • يلتزم الصمت حيال الأحداث السياسية الحالية، مفضلًا العزلة والخصوصية.

ويبدو أن الرجل الذي واجه صدام حسين في قاعة المحكمة، اختار أن يعيش بقية عمره في هدوء بعيدًا عن الأضواء والتجاذبات السياسية.

لماذا لا يزال مصيره يثير الجدل؟

1. حساسية موقعه في محاكمة تاريخية

بما أنه كان القاضي الذي أصدر الحكم بحق شخصية مثيرة للجدل كصدام حسين، أصبح تلقائيًا هدفًا للانتقادات، ومصدر اهتمام دائم للإعلام.

2. انتماؤه الكردي

كونه من مدينة حلبجة، المتضررة من نظام صدام، أضفى بُعدًا عاطفيًا وجعل البعض يشكك في حياديته، رغم غياب الدلائل القانونية على ذلك.

3. الغموض حول اختفائه

لم يُدلِ القاضي بأي تصريحات علنية منذ أكثر من 15 عامًا، مما أتاح الفرصة للشائعات للتكاثر، سواء عن وفاته أو عن لجوئه أو حتى تعرّضه لمشكلات قانونية.

تأثير محاكمته على مستقبل القضاء العراقي

رغم مرور قرابة العقدين، لا تزال محاكمة صدام تُدرّس بوصفها نموذجًا في العدالة الانتقالية في الدول الخارجة من الأنظمة الدكتاتورية. وقد ساهم وجود قاضٍ صارم كـ رؤوف رشيد في ترسيخ صورة رسمية للقضاء العراقي، باعتباره مؤسسة قادرة على محاسبة حتى أعلى سلطة في البلاد.

لكن في المقابل، فشلت الدولة في حماية رموز هذه العدالة، وها هو رؤوف يعيش في الظل، بلا أي دعم أو حماية رسمية معلنة، مما يعكس التحديات التي تواجه استقلالية القضاء في العراق.

خاتمة: القاضي الذي دوّن اسمه في التاريخ… واختفى

القاضي رؤوف رشيد عبد الرحمن، الذي نطق بحكم أعدم فيه واحدًا من أبرز حكّام الشرق الأوسط، لا يزال حاضرًا في ذاكرة التاريخ، حتى لو غاب عن شاشات التلفاز والمناسبات الرسمية.
قصته هي قصة العراق نفسه: بين العدالة والانتقام، بين القانون والسياسة، بين الضوء والظل.

وفي النهاية، يظل السؤال مفتوحًا:
هل اختار رؤوف الصمت طواعية؟ أم فُرض عليه النسيان؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *