
في تصعيد خطير ومفاجئ، أعلنت كتائب القسام – الجناح العسكري لحركة حماس – مسؤوليتها عن تنفيذ كمين مركب شرق جباليا شمال قطاع غزة، استهدف وحدة إسرائيلية راجلة ومركبة عسكرية من نوع “همر”. وأسفر الهجوم عن مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين وإصابة اثنين آخرين بجراح خطيرة، في ضربة اعتُبرت من أعنف الضربات التي تلقاها الاحتلال خلال عملياته البرية المستمرة منذ أشهر.
هذه العملية تأتي في سياق تطورات الصراع في قطاع غزة، وسط محاولات إسرائيلية للتوغل داخل المناطق الحدودية، وتصعيد متواصل في القصف الجوي والمدفعي، بينما ترد المقاومة الفلسطينية بعمليات نوعية مدروسة ومحكمة التخطيط.
تفاصيل عملية كمين جباليا
بحسب ما أوردته كتائب القسام في بيانها العسكري، فقد نُفّذ الكمين بعد عملية رصد دقيقة لتحركات قوة إسرائيلية خاصة، حيث تم زرع عبوات ناسفة في محيط المنطقة، واستُهدفت مركبة “همر” بصاروخ موجه لحظة توقفها لنقل الجنود. وقد أدى الانفجار إلى تفجير المركبة بالكامل، وسقوط القتلى والجرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي.
وبحسب مصادر ميدانية، حاولت قوات الاحتلال التعامل مع الموقف ميدانيًا عبر إطلاق كثيف للنيران وقصف بالمدفعية والطائرات، في محاولة لسحب الجنود وإخلاء المصابين. إلا أن الاشتباكات استمرت لعدة ساعات، ما أدى إلى تأخير وصول وحدات الإجلاء والإنقاذ.
خسائر الجيش الإسرائيلي
كشفت وسائل إعلام عبرية عن أسماء بعض الجنود القتلى، وأكدت أن القوة المستهدفة تنتمي إلى لواء “غولاني” الشهير، أحد أبرز ألوية النخبة في الجيش الإسرائيلي، والذي يشارك بشكل مكثف في العمليات البرية شمال قطاع غزة.
ووفقًا لما نقلته القناة 12 الإسرائيلية، فإن:
- 3 جنود قتلوا في موقع العملية مباشرة.
- 2 آخرين أصيبوا بجروح خطيرة نقلوا إلى مستشفى “سوروكا”.
- المركبة العسكرية تم تدميرها بالكامل.
- تم استخدام صواريخ موجهة وعبوات ناسفة متطورة في الهجوم.
هذه الخسائر تشكل ضربة قوية لهيبة الجيش الإسرائيلي، وتطرح تساؤلات حول مدى قدرة قوات الاحتلال على التحرك بأمان في قطاع غزة رغم كل الاستعدادات العسكرية والاستخباراتية.
ردود الفعل الإسرائيلية
توالت ردود الفعل الغاضبة من المؤسسة العسكرية والسياسية في إسرائيل، حيث وصف محللون عسكريون الكمين بـ”الناجح والمؤلم”، واعتبروه دليلاً على فشل الاستخبارات العسكرية في التنبؤ بتحركات المقاومة.
كما نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن ضباط في الجيش قولهم إن جباليا أصبحت “فخًّا عسكريًا قاتلًا”، وأن عناصر المقاومة هناك “يُقاتلون كما لم يحدث منذ سنوات”.
رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي أمر بتوسيع نطاق العمليات في جباليا، بينما دعا وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى “تغيير قواعد الاشتباك”.
كيف ردّت المقاومة الفلسطينية؟
عقب الكمين، أكدت كتائب القسام وسرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي) أن أي محاولة احتلالية لاختراق قطاع غزة ستُقابل بردود أوسع وأعنف. وأعلنت الكتائب عن جهوزيتها الكاملة لصد أي هجوم بري جديد.
كما شددت الفصائل المقاومة على أن “الميدان هو من سيحسم”، وأن “الكمائن والعمليات النوعية” ستكون هي الأسلوب المعتمد لإرهاق وإفشال الاحتلال.
لماذا يُعد كمين جباليا نقطة تحول؟
يمثل كمين جباليا تحولًا في أسلوب عمل المقاومة الفلسطينية من الدفاع إلى الهجوم المباغت، ومن التحصن إلى المبادرة. وهذا يعود إلى عدة عوامل:
- الجهوزية العالية والتخطيط المتقن من قبل كتائب القسام.
- ضعف الأداء الاستخباراتي الإسرائيلي في اكتشاف التحركات.
- التضاريس المعقدة في مناطق شمال غزة، والتي تُستخدم بفعالية من قبل المقاتلين.
- استخدام أسلحة نوعية وتكتيكات متطورة، مما يدل على تطور نوعي في قدرات المقاومة.
التغطية الإعلامية العالمية
تناقلت وكالات الأنباء العالمية الخبر، معتبرة أن العملية تمثل إحراجًا للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية. وعلّقت وكالة “رويترز” بأن العملية تعكس مدى قدرة المقاومة الفلسطينية على استغلال ضعف الاحتلال في البيئة الحضرية، بينما أشارت شبكة “CNN” إلى أن عدد القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي بدأ يرتفع بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة.
الوضع الإنساني في جباليا
رغم التوتر الأمني، فإن الوضع الإنساني في جباليا لا يقل خطورة عن العسكري، حيث تعاني المنطقة من دمار واسع، وانقطاع للكهرباء، وشُح في المياه والغذاء، بالإضافة إلى نزوح الآلاف من السكان.
الكمين الذي نُفذ في المنطقة يُبرز خطورة وجود الاحتلال في منطقة مكتظة بالسكان، ويطرح أسئلة أخلاقية حول سياسة “الأرض المحروقة” التي يعتمدها الجيش الإسرائيلي في المناطق الشمالية من القطاع.
سيناريوهات ما بعد الكمين
من المرجح أن تشهد الأيام المقبلة:
- تصعيدًا عسكريًا إسرائيليًا في جباليا وبيت لاهيا.
- ردودًا ميدانية من الفصائل الفلسطينية عبر مزيد من الكمائن أو إطلاق الصواريخ.
- ضغطًا سياسيًا داخليًا على حكومة نتنياهو بسبب الخسائر المتزايدة.
- جهودًا دولية للتهدئة قد تواجه صعوبات بسبب تصلب المواقف من الطرفين.
يؤكد كمين جباليا مرة أخرى أن المقاومة الفلسطينية ما زالت تمتلك زمام المبادرة، وأن الاحتلال الإسرائيلي عاجز عن حسم المعركة عسكريًا. ومع استمرار هذه النوعية من العمليات، يبدو أن سيناريو الاستنزاف الطويل هو ما ينتظر الاحتلال داخل غزة.
يبقى السؤال المطروح: إلى أي مدى يمكن لجيش الاحتلال تحمّل المزيد من الضربات النوعية في الميدان، وسط حالة من التململ الشعبي والسياسي داخل إسرائيل؟