
بينما كان يحمل أمتعته وملفاته ويستعد لأداء أحد أركان الإسلام الخمسة، فوجئ الشاب الليبي عامر المهدي منصور القذافي، بحاجز أمني غير متوقع في مطار طرابلس. لم يكن ذلك بسبب مخالفة قانونية أو جواز سفر منتهي الصلاحية، بل بسبب اسمه. اسمٌ يتطابق جزئيًا مع شخص آخر على قوائم المراقبة، مما أدى إلى توقيفه والتحقيق معه لساعات، كاد أن يفوّت خلالها رحلته إلى الأراضي المقدسة.
من هو عامر المهدي منصور القذافي؟
عامر، شاب ليبي في الثلاثينات من عمره، ينحدر من مدينة سبها في الجنوب الليبي. متخرج من كلية العلوم الإسلامية، ويعمل إمامًا في أحد مساجد العاصمة طرابلس. منذ سنوات يحلم بأداء فريضة الحج، وقد اجتهد في جمع المال اللازم، وشارك في قرعة الحج حتى تحقق له الحلم هذا العام.
لكن حلمه كاد أن يتحول إلى كابوس بسبب اسمه الثلاثي، الذي يحمل لقب “القذافي”، ما أثار اشتباه الأجهزة الأمنية بالمطار.
تفاصيل الواقعة في المطار
عند نقطة التفتيش النهائية في مطار معيتيقة الدولي، وأثناء مراجعة الجوازات، أشار أحد الضباط إلى وجود مشكلة في بيانات المسافر. وطلب من عامر الانتظار جانبًا لإجراء مطابقة أمنية دقيقة.
وبحسب رواية عامر، تم احتجازه داخل غرفة تحقيق مغلقة لأكثر من ساعتين، ووجهت له أسئلة تتعلق بنسبه، وصلته بأي شخص من عائلة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وما إذا كان قد سافر في السابق إلى دول معينة.
“قلت لهم إنني مجرد مواطن بسيط، ولقب القذافي شائع في مناطق الجنوب، ولا تربطني أي علاقة سياسية أو عائلية بمعمر القذافي”، يقول عامر.
تشابه أسماء يوقع الأبرياء في فخ الاشتباه
ليست هذه الحادثة الأولى من نوعها، حيث يعاني الكثير من الأشخاص في العالم العربي من مشكلة تشابه الأسماء مع شخصيات سياسية أو أمنية مطلوبة للعدالة، مما يعرضهم لمضايقات أمنية وتأخير في المطارات أو حتى توقيفات غير مبررة.
في حالة عامر، أظهر النظام الأمني في المطار تطابقًا بين اسمه الكامل واسم شخص آخر مدرج على قوائم المراقبة. وبعد التحقيقات ومراجعة البصمات وسجله الأمني، تم التأكد من براءته التامة، وسمح له أخيرًا بالصعود على متن الطائرة.
ردود فعل على مواقع التواصل الاجتماعي
بمجرد انتشار القصة، أثارت تفاعلاً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي. دشن ناشطون وسومًا مثل #اسمك_مش_جريمتك و**#عامر_القذافي** للتضامن مع الشاب، وللمطالبة بتحديث قواعد البيانات الأمنية واستخدام تقنيات أكثر تطورًا لمنع تكرار مثل هذه الحالات.
كما انتقد مغردون ما وصفوه بـ”التمييز الضمني” ضد الأشخاص الذين يحملون ألقابًا تاريخية أو سياسية، مطالبين بعدم ربط المواطن العادي بالإرث السياسي لمجرد حمله لقبًا بعينه.
تصريحات الجهات الرسمية
وفي ردها على الحادثة، أوضحت هيئة السلامة الوطنية في بيان مقتضب أن “الإجراءات التي تم اتخاذها مع المواطن المذكور هي ضمن البروتوكول الأمني المتبع للتأكد من هوية المسافرين”، مؤكدة أنه “تم السماح له بالسفر بعد التحقق من خلو سجله من أي مخالفات”.
إلا أن البيان لم يتضمن اعتذارًا رسميًا أو تعهدًا بمراجعة آلية التدقيق الأمني، ما أثار استياء بعض المتابعين.
الأبعاد القانونية للواقعة
يرى بعض المحامين أن ما حدث مع عامر القذافي يُعد احتجازًا غير مبرر، خصوصًا إذا لم تكن هناك مذكرة توقيف صادرة بحقه أو أمر قضائي صريح. ويطالبون بسن قوانين تحمي المواطنين من الأضرار الناجمة عن تشابه الأسماء، مع ضرورة تفعيل نظام “التمييز البيومتري” الذي يعتمد على البصمة أو مسح العين لتقليل الاعتماد على الأسماء فقط.
هل سيتغير شيء؟
رغم أن عامر تمكّن في النهاية من اللحاق بطائرته والوصول إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج، إلا أن التجربة التي مرّ بها تركت جرحًا نفسيًا ومعنويًا، ليس فقط له، بل لكل من قد يواجه مصيرًا مشابهًا بسبب اسمه أو نسبه.
“كنت أظن أن أكثر ما قد يقلقني في رحلة الحج هو مشقة الطريق أو حرارة الطقس، لم أتخيل أبدًا أن اسمي سيكون هو العقبة”، يقول عامر في إحدى المقابلات بعد عودته من الحج.
خاتمة: ما الدروس المستفادة؟
قصة عامر المهدي منصور القذافي تسلط الضوء على قضية إنسانية وأمنية معقدة، تتطلب حلولًا تقنية وقانونية عاجلة. فبينما لا يمكن تجاهل أهمية الأمن والتحقق من هوية المسافرين، يجب في الوقت نفسه احترام الحقوق الفردية، وتفادي تعميم الشبهات على الأبرياء لمجرد تشابه في الأسماء.
تبقى القصة تذكرة مؤلمة بأن حلمًا دينيًا قد يتحول إلى تجربة قاسية، إن لم يُوازن بين الأمن والحرية، بين الوقاية والعدالة.