
في خطوة أثارت جدلًا دستوريًا واسعًا، أعلن حاكم كاليفورنيا جافن نيوسوم رفضه القاطع لنشر قوات الحرس الوطني في لوس أنجلوس، والذي تم بأمر مباشر من إدارة ترامب، دون تنسيق مع سلطات الولاية. ووصف نيوسوم القرار بأنه “غير قانوني” و”إهانة لسيادة الولاية”، مطالبًا بسحب القوات فورًا.
هذا الحدث يمثل إحدى أبرز المواجهات بين سلطة الحكومة الفيدرالية وصلاحيات الولايات في السنوات الأخيرة، ويثير تساؤلات حقيقية حول مستقبل العلاقة بين واشنطن وساكرامنتو.
خلفية الأزمة: ما الذي أشعل شرارة الخلاف؟
بدأت الأزمة عندما قررت إدارة ترامب إرسال قرابة 2000 جندي من الحرس الوطني الأمريكي إلى لوس أنجلوس، بالتزامن مع احتجاجات حاشدة ضد مداهمات الهجرة التي نفذتها وكالة الهجرة والجمارك (ICE). وقد اعتُبرت تلك الاحتجاجات سلمية نسبيًا، ما جعل قرار التدخل العسكري محل استغراب واستنكار.
وفي سابقة نادرة، تم نشر القوات دون طلب من الحاكم المحلي، مما يُعد خرقًا تقليديًا للأعراف المتبعة منذ عقود، والتي تنص على ضرورة تنسيق مثل هذه العمليات مع السلطات المحلية.
موقف حاكم كاليفورنيا: حماية السيادة أم تحدٍ سياسي؟
صرّح نيوسوم في بيان رسمي بأن نشر الحرس الوطني دون موافقته “انتهاك صارخ للدستور”، مضيفًا:
“نرفض عسكرة شوارعنا دون سبب. هذا الإجراء يبعث برسالة تصعيدية بدلًا من التهدئة، ولا يخدم سوى إشعال التوتر.”
وأضاف أن كاليفورنيا لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة “قرارات عدوانية تتجاوز حدود السلطة الفيدرالية”، مؤكدًا أن ولايته ستتخذ كل الوسائل القانونية والدستورية المتاحة لمواجهة ما وصفه بـ”التهديد على الحكم الذاتي المحلي”.
رد إدارة ترامب: “الأمن أولًا”
في المقابل، دافعت إدارة ترامب عن قرارها، حيث أكد البيت الأبيض أن نشر الحرس الوطني جاء ضمن صلاحيات الرئيس، بموجب المادة العاشرة من القانون الفيدرالي (Title 10)، والتي تتيح للرئيس التدخل عند “الضرورة لضمان النظام العام”.
وقال متحدث باسم وزارة الدفاع:
“الرئيس ملتزم بحماية الأمن الداخلي، وإذا عجزت سلطات الولاية عن ضبط الأمور، فإن على الحكومة الفيدرالية أن تتدخل.”
ولكن هذه التبريرات لم تُقنع الكثير من المراقبين، الذين اعتبروا أن دوافع القرار سياسية بالدرجة الأولى، خاصة في ظل التوتر المزمن بين نيوسوم وترامب منذ توليهما السلطة.
هل نحن أمام أزمة دستورية؟
القضية لا تتعلق فقط بنشر قوات الحرس الوطني، بل تمس جوهر النظام الفيدرالي الأمريكي، الذي يقوم على مبدأ توزيع السلطات. يرى خبراء القانون الدستوري أن ما حدث في كاليفورنيا قد يُستخدم لاحقًا كمرجع قضائي لتحديد حدود تدخل الحكومة الفيدرالية في شؤون الولايات.
وقد أشار البروفيسور مايكل جيرسون من جامعة ستانفورد إلى أن:
“ما فعله ترامب قد يُفتح الباب لنقاش عميق حول صلاحيات الرئيس الفيدرالي في زمن الاحتجاجات المدنية، خصوصًا إذا لم تكن هناك أعمال عنف تبرر التدخل العسكري.”
دعم سياسي واسع لحاكم كاليفورنيا
لم يكن نيوسوم وحده في هذا الموقف؛ فقد انضم إليه عدد من حكام الولايات الديمقراطيين، الذين اعتبروا القرار الفيدرالي “سابقة خطيرة”، موجهين رسالة موحدة إلى البيت الأبيض ترفض عسكرة المدن دون تنسيق محلي.
حتى بعض الشخصيات المعتدلة داخل الحزب الجمهوري أعربت عن تحفظها، داعية إلى “عدم استغلال الجيش في الخلافات السياسية الداخلية”.
كيف تفاعل الشارع الأمريكي؟
شهدت وسائل التواصل الاجتماعي موجة من الانقسام الحاد، حيث اعتبر البعض أن إرسال الحرس الوطني خطوة ضرورية لضبط الأمن، بينما رأى آخرون أن القرار يمثّل تجاوزًا خطيرًا للحريات المدنية.
وخرج آلاف المتظاهرين في مسيرات تطالب بسحب القوات، ورفعوا لافتات مثل:
“نحن لسنا ساحة حرب” و**”أوقفوا عسكرة الاحتجاجات”**.
السيناريوهات القادمة: ماذا بعد؟
مع تصاعد الخلاف، تتجه الأنظار إلى المحاكم الفيدرالية، حيث يُتوقع أن تتقدم ولاية كاليفورنيا بدعوى قضائية ضد الحكومة الفيدرالية. وقد تكون المعركة القانونية حاسمة في تحديد أفق هذا النزاع.
هناك أيضًا احتمال أن يلجأ الكونغرس إلى التدخل، خصوصًا إذا ما تطور الموقف إلى أزمة وطنية تشمل ولايات أخرى.
خلاصة: معركة على السلطة أم معركة على المبادئ؟
ما بين حاكم كاليفورنيا جافن نيوسوم وإدارة ترامب، نشهد فصلًا جديدًا من فصول التوتر الفيدرالي في الولايات المتحدة. لكن الأمر يتجاوز الأشخاص إلى جوهر العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات، وإلى حدود تدخل السلطة المركزية في قرارات الأمن المحلي.
إن نتيجة هذه المواجهة ستترك أثرًا طويل الأمد، ليس فقط على مستقبل كاليفورنيا، بل على النموذج الفيدرالي الأمريكي ككل.