
في تطور صادم يعكس حجم الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني يوميًا، كشف عدد من الجنود الإسرائيليين السابقين عن سياسة ممنهجة يتبعها الجيش الإسرائيلي في استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية خلال العمليات العسكرية، وخصوصًا في قطاع غزة والضفة الغربية. هذه الشهادات، التي أُدلي بها لمنظمات حقوقية وصحفية، تؤكد أن هذه الممارسات ليست مجرد تصرفات فردية بل جزء من عقيدة عملياتية متكررة في صفوف الجيش.
سياسة الدروع البشرية: خرق صارخ للقانون الدولي
تُعد استخدام المدنيين كدروع بشرية انتهاكًا واضحًا لاتفاقيات جنيف الرابعة، التي تحمي المدنيين في مناطق النزاع المسلح. لكن ما تؤكده شهادات الجنود، أن الجيش الإسرائيلي كثيرًا ما يقوم بإجبار فلسطينيين، من أطفال ونساء وشيوخ، على مرافقة قواته أثناء مداهمات المنازل، أو الوقوف أمام النوافذ والأبواب لحمايتهم من نيران المقاومة.
شهادات جنود إسرائيليين: “أُمرنا باستخدام الأطفال”
في واحدة من أكثر الشهادات إثارة للجدل، يقول جندي سابق في وحدة جولاني:
“كنا نُؤمر بإدخال الأطفال إلى البيوت أولًا للتأكد من خلوها من المقاومين أو المتفجرات. في البداية كنت أعتقد أن الأمر استثنائي، لكنني لاحظت تكراره في كل عملية تقريبًا”.
وتابع جندي آخر خدم في غزة:
“عندما كنا نشك في وجود كمين، كنا نأمر شابًا فلسطينيًا بالتحرك أولًا. الضباط كانوا يقولون: ‘أفضل أن يموت فلسطيني على أن يُقتل جندي إسرائيلي’.”
توثيق منظمات حقوق الإنسان
منظمات مثل “بتسيلم” و”هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” وثقت عشرات الحالات لاستخدام الفلسطينيين كدروع بشرية، بعضها تم تصويره بالفيديو ونُشر على الإنترنت. وتعود أبرز هذه الحالات إلى حرب غزة في 2008 و2014، حيث تم إجبار أطفال على فتح أبواب منازل، أو السير أمام دبابات، أو الوقوف بجوار جنود أثناء الاشتباكات.
وفي تقرير صادر عن منظمة Breaking the Silence، وهي منظمة أسسها جنود إسرائيليون سابقون لكشف ممارسات الجيش، وردت شهادات تؤكد أن هذه السياسة لم تكن فقط معروفة على نطاق واسع، بل تمت بتغطية قيادات عسكرية عليا.
ردود الفعل الدولية: صمت وتواطؤ
رغم كثرة التوثيقات والشهادات، لم تتحرك الجهات الدولية بشكل فعال لمحاسبة إسرائيل على هذه الجرائم. مجلس الأمن الدولي أصدر بيانات إدانة عامة، ولكن دون قرارات ملزمة أو آليات تنفيذية. وحتى المحكمة الجنائية الدولية، التي فتحت تحقيقًا في جرائم حرب محتملة في الأراضي الفلسطينية، لم تصدر بعد أي مذكرات توقيف بحق المتورطين في هذه السياسة.
الحالة الفلسطينية: معاناة مستمرة
عائلات الضحايا الفلسطينيين تؤكد أن ما يُمارس على الأرض هو أكثر قسوة مما يُنشر في التقارير. ففي كثير من الحالات، لا تكتفي القوات الإسرائيلية باستخدام المدنيين كدروع، بل يُعتقلون بعد ذلك أو يُقتلون بدم بارد.
يقول والد طفل من مخيم جنين:
“اقتحموا بيتنا الساعة الثالثة فجرًا، أخذوا ابني البالغ من العمر 14 عامًا وأجبروه أن يسير أمامهم في الأزقة… لم نكن نعرف هل سيرجع حيًا أم لا.”
الجانب القانوني: إسرائيل في مرمى الاتهام
خبراء في القانون الدولي يؤكدون أن استخدام الدروع البشرية يمثل جريمة حرب، ويُحاسب عليها القانون الجنائي الدولي. ومع تزايد الشهادات والتوثيقات، يمكن بناء ملف قانوني شامل ضد القيادة الإسرائيلية.
يقول المحامي الدولي كين روث، المدير السابق لـ “هيومن رايتس ووتش”:
“ما نراه في الأراضي الفلسطينية يتعدى الانتهاكات الفردية، إنه نموذج متكرر يعكس سياسة عسكرية موجهة، ويجب أن يُحاسب المسؤولون عنها.”
دور الإعلام والمجتمع الدولي
اللافت أن الإعلام الغربي غالبًا ما يتجاهل هذه الشهادات أو يُقلل من شأنها، في حين يُسلّط الضوء على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”. هذا الانحياز الإعلامي ساهم في إخفاء حجم الانتهاكات الإسرائيلية لعقود، بينما يُصوّر الضحايا الفلسطينيين كمعتدين أو أرقام هامشية.
استخدام الدروع البشرية خلال الحرب على غزة 2023 و2024
خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة في 2023 و2024، أفادت تقارير ميدانية من الهلال الأحمر الفلسطيني ووسائل إعلام محلية أن جنود الاحتلال استخدموا عشرات المدنيين كدروع بشرية في مناطق متفرقة من شمال ووسط القطاع، خصوصًا في مخيم جباليا وبيت حانون. تم تصوير بعض الحالات عبر طائرات درون، حيث يظهر فلسطينيون مكبلو الأيدي يسيرون أمام قوات الاحتلال خلال مداهمات ليلية.
مطالبات بتحقيق دولي عاجل
مع تصاعد الأدلة، تطالب منظمات حقوقية فلسطينية ودولية بفتح تحقيق دولي عاجل في سياسة استخدام الدروع البشرية، وضرورة فرض عقوبات على إسرائيل ما لم توقف هذه الممارسات فورًا. كما تُناشد هذه المنظمات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بعدم الاكتفاء بالإدانات الكلامية، بل التحرك الفعلي لحماية المدنيين الفلسطينيين.
الخلاصة: لا بد من مساءلة
إن استمرار استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية من قبل الجيش الإسرائيلي، رغم كونه انتهاكًا صارخًا لكل المواثيق الدولية، يعكس غياب الردع والمحاسبة الدولية. ومن دون موقف حازم من المجتمع الدولي، فإن هذه الجرائم ستتكرر، وسيدفع المدنيون الأبرياء الثمن.